فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (45):

{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)}
وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} عليه تقرير لما قبل من قوله سبحانه: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43] وتحقيق لما هو المراد منه وبيان لوظيفته عليه الصلاة والسلام في ذلك الشأن فإن إنكار كونه صلى الله عليه وسلم في شيء من ذكراها مما يوهم بظاهره أن ليس له عليه الصلاة والسلام أن يذكرها بوجه من الوجوه فأزيح ذلك ببيان أن المنفي عنه صلى الله عليه وسلم ذكراها لهم بتعيين وقتهما حسا كانوا يسألونه عنها فالمعنى إنما أنت منذر من يخشاها ويخاف أهوالها وظيفتك الامتثال بما أمرت به من بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الأهوال كما تحيط به لا معلم بتعيين وقتها الذي لم يفوض إليه فما لهم يسألونك عما لم تبعث له ولم يفوض إليك أمره وعلى الوجه الثاني هو تقرير لقوله تعالى أنت من ذكراها ببيان أن إرساله عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليهم السلام منذر جيء الساعة كما ينطق به قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني...» والظاهر على الأول أن القصر من قصر الموصوف على الفة والمعنى ما أنت إلا منذر لا معلم بالوقت مبين له وإنما ذكر صلة المنر إظهارًا لكونها ذات مدخل في القصر لكون الكلام في القصر على منذر خاص ونفي إعلام خاص يقابله وكونه من قصر الصفة على الموصوف بناء على ما يتبادر إلى الفهم من كلام السكاكي أن المعنى إنما أنت منذر الخاشي دون من لا يخشى أي ما أنت منذر إلا من يخشى دون غيره غير مناسب للمقام على أنه قيل عليه أن من يخشى من صلة منذر ليس من متعلق إنما في شيء ليجعل الجزء الأخير المقصور عليه الإنذار وهذا إن صح استلزم عدم صحة ما قرر لكن في صحته مقال إذ يستلزم أيضًا أن لا يصح إنما هو غلام زيد لا عمرو وإنما هو ضارب عمرًا لا زيدًا مع شهرة استعمال ذلك من غير نكير فتأمل والظاهر على الثاني أن إنما لمجرد التأكيد زيادة في الاعتناء بشأن الخبر وليست للحصر إذ لا يتعلق به غرض عليه بحسب الظاهر على ما قيل وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (46):

{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} اما تقرير وتأكيد لما ينبئ عنه الإنذار من سرعة مجيء المنذر به لاسيما على الوجه الثاني والمعنى كأنه يوم يرونها لم يلبثوا بعد الإنذار إلا قليلًا وأما رد لما أدمجوه في سؤالهم فإنهم كانوا يسألون عنها بطريق الاستبطاء مستعجلين بها وإن كان على نهج الاستهزاء بها {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48] والمعنى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الوعيد بها إلا عشية إلخ وهذا الكلام على ما نقل عن الزمخشري له أصل وهو لم يلبثوا إلا ساعة من نهار عشيته أو ضحاها فوضع هذا المختصر موضعه وإنما أفادت الإضافة ذلك كما في الكشف من حيث أنك إذا قلت لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى احتمل أن تكون العشية من يوم والضحى من آخر فيتوهم الاستمرار من ذلك الزمان إلى مثله من اليوم الآخر أما إذا قلت عشيته أو ضحاها لم يحتمل ذلك البتة وفي قولك ضحى تلك العشية ما يغني عن قولك عشية ذلك النهار أو ضحاه وقال الطيبي أنه من المحتمل أن يراد بالعشية أو الضحى كل اليوم مجازًا فلما أضيف أفاد التأكيد ونفى ذلك الاحتمال وجعله من باب رأيته بعيني وهو حسن ولكن السابق أبعد من التكلف ولا منع من الجمع وزاد الإضافة حسنًا كون الكلمة فاصلة واعتبر جمع كون اللبث في الدنيا وبعضهم كونه في القبور وجوز كونه فيهما واختار في الإرشاد ما قدمنا وقال إن الذي يقتضيه المقام اعتبار كونه بعد الإنذار أو بعد الوعيد تحقيقًا للإنذار وردًا لاستبطائهم والجملة على الوجه الأول حال من الموصول كأنه قيل تنذرهم مشبهين يوم يرونها في الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الإنذار بها إلا تلك المدة اليسيرة وعلى الثاني مستأنفة لا محل لها من الإعراب هذا ولا يخفى عليك أن الوجه الثاني وإن كان حسنًا في نفسه لكنه مما لا يتبادر إلى الفهم وعليه يحسن الوقف على {فيم} ثم يستأنف {أنت من ذكراها} [النازعات: 43] لئلا يلبس وقيل إن قوله تعالى: {فِيمَ} إلخ متصل بسؤالهم على أنه بدل من جملة {يَسْأَلُونَكَ} إلخ أو هو بتقدير القول أي يسألونك عن زمان قيام الساعة ويقولون لك في أي مرتبة أنت من ذكراها أي علمها أي ما مبلغ علمك فيها أو يسألونك عن ذلك قائلين لك في أي مرتبة أنت إلخ والجواب عليه قوله تعالى: {إلى رَبّكَ منتهاها} [النازعات: 44] ولا يخفى ضعف ذلك وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة قالت ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل الله تعالى عليه {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إلى رَبّكَ منتهاها} فانتهى عليه الصلاة والسلام فلم يسأل بعدها وأخرج النسائي وغيره عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها فكف عنها وعلى هذا فهو تعجيب من كثرة ذكره صلى الله عليه وسلم لها كأنه قيل في أي شغل واهتمام أنت من ذكراها والسؤال عنها والمعنى أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها ونظر فيه ابن المنير بأن قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ كأنك حفي عنها} [الأعراف: 187] يرده إذ المراد أنك لا تحتفى بالسؤال عنها ولا تهتم بذلك وهم يسألونك كما يسأل الحفي عن الشيء أي الكثير السؤال عنه وأجيب بأنه يحتمل أنه لم يكن منه صلى الله عليه وسلم أو لا احتفاه ثم كان وإن سؤالهم هذا ونزول الآية بعد وقوع الاحتفاء وأنت تعلم ما في ذلك من البعد وقرأ أبو جعفر وشيبة وخالد الحذاء وابن هرمز وعيسى وطلحة وابن محيصن وابن مقسم وأبو عمرو في رواية منذر بالتنوين والأعمال وهو الأصل في مثله بعد اعتبار المشابهة والإضافة للتخفيف فلا ينافي أن الأصل في الأسماء عدم الأعمال والاعمال عارض للشبه والوصف عند إعماله وإضافته للتخفيف صالح للحال والاستقبال وإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة كقولك هو منذر زيد أمس وهو هنا على ما قيل للحال لمقارنة يخشى ولا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم منذر في الماضي والمستقبل حتى يقال المناسب لحال الرسالة الاستمرار ومثله يجوز فيه الاعمال وعدمه ثم المراد بالحال حال الحكم لا حال التكلم وفي ذلك في كتب الأصول فلا تغفل والله تعالى أعلم.

.سورة عبس:

وتسمى سورة الصاخة وسورة السفرة وسميت في غير كتاب سورة الأعمى.
وهي مكية بلا خلاف.
وآيها اثنتان وأربعون في الحجازي والكوفي وإحدى وأربعون في البصري وأربعون في الشامي والمدني الأول ولما ذكر سبحانه فيما قبلها: {إنما أنت منذر من يخشاها} ذكر عز وجل في هذه من ينفعه الإنذار ومن لم ينفعه فقال عز من قائل:
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}
{عَبَسَ وتولى أَن جَاءهُ الاعمى} إلخ روى أن ابن أم مكتوم وهو ابن خال خديجة واسمه عمرو بن قيس بن زائدة بن جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي القرشي وقيل عبد الله بن شريح بن مالك بن أبي ربيعة الفهري والأولى أكثر وأشهر كما في جامع الأصول وأم مكتوم كنية أمه واسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية وغلط الزمخشري في جعلها في الكشاف جدته وكان أعمى وعمى بعد نور وقيل ولد أعمى ولذا قيل لأمه أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يناجيهم ويدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يكرمه ويقول إذا رآه مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي ويقول هل لك من حاجة واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة فكان يصلي بالناس ثلاث عشرة مرة كما رواه ابن عبد البر في الاستيعاب من أهل العلم بالسير ثم استخلف بعده أبا لبابة وهو من المهاجرين الأولين هاجر على الصحيح قبل النبي صلى الله عليه وسلم ووهم القرطبي في زعمه أنه مدني وأنه لم يجتمع بالصناديد المذكورين من أهل مكة وموته قيل بالقادسية شهيدًا يوم فتح المدائن أيام عمر رضي الله تعالى عنه ورآه أنس يومئذ وعليه درع وله راية سوداء وقيل رجع منها إلى المدينة فمات بها رضي الله تعالى عنه وضمير عبس وما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغيبة إجلال له صلى الله عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم مثله كما أن في التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (3):

{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)}
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتشاغله بالقوم وقيل إن الغيبة أولًا والخطاب ثانيًا لزيادة الإنكار وذلك كمن يشكو إلى الناس جانيًا جني عليه ثم يقبل على الجاني إذا حمى على الشكاية مواجهًا بالتوبيخ وإلزام الحجة وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك لأنه وصف يناسب الإقبال عليه والتعطف وفيه أيضًا دفع إيهام الاختصاص بالأعمى المعني وإيماء إلى أن كل ضعيف يستحق الإقبال من مثله على أسلوب لا يقضي القاضي وهو غضبان وأن بتقدير حرف الجر أعني لام التعليل وهو معمول لأول الفعلين على مختار الكوفيين وثانيهما على مختار البصريين وكليهما معًا على مذهب الفراء نعم هو بحسب المعنى علة لهما بلا خلاف أي عبس لأن جاءه الأعمى وأعرض لذلك وقرأ زيد بن علي عبس بتشديد الباء للمبالغة لا للتعدية وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى آن بهمزة ومدة بعدها وبعض القراء بهمزتين محققتين والهمزة في القرائتين للاستفهام الإنكاري ويوقف على تولي والمعنى إلا إن جاء الأعمى فعل ذلك وضمير لعله للأعمى والظاهر أن الجملة متعلقة بفعل الدراية على وجه سد مسد مفعوله أي أي شيء يجعلك داريًا بحال هذا الأعمى لعله يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم.

.تفسير الآية رقم (4):

{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}
{أَوْ يَذَّكَّرُ} أي يتعظ {فَتَنفَعَهُ الذكرى} أي ذكراك وموعظتك والمعنى أنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما كان الذي كان والغرض نفي دراية أنه يزكي أو يذكر والترجي راجع إلى الأعمى أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل دلالة على أن رجاء تزكيه أو كونه ممن يرجى منه ذلك كاف في الامتناع من العبوس والإعراض كيف وقد كان استركاؤه محققًا ولما هضم من حقه في تعلق الرجاء به لا التحقق اعتبر متعلق التزكي بعض الأوضار ترشيحًا لذلك وفيه إظهار ما يقتضي مقام العظمة هاهنا من إطلاق التزكي وحمله على ما ينطلق عليه الاسم لا الكامل وقال بعضهم متعلق الدراية محذوف أي ما يدريك أمره وعاقبة حاله ويطلعك على ذلك وقوله سبحانه: {لَعَلَّهُ} إلخ استئناف وارد لبيان ما يلوح به ما قبله فإن مع إشعاره بأن له شأنا منافيًا للإعراض عنه خارجًا عن دراية الغير وإدرائه مؤذن بأنه تعالى يدريه ذلك واعتبر في التزكي الكمال فقال أي لعله يتطهر بما يقتبس منك من أوضار الإثم بالكلية أو يتذكر فتنفعه موعظتك إن لم تبلغ درجة التزكي التام ولعل الأول أبعد مغزى وقدم التزكي على التذكر لتقدم التخلية على التحلية وخص بعضهم الثاني بما إذا كان يتعلمه من النوافر والأول بما إذا كان سوى ذلك وهو كما ترى وفي الآية تعريض وإشعار بأن من تصدى صلى الله عليه وسلم لتزيكتهم وتذكيرهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلًا فهي كقولك لمن يقرر مسألة لمن لا يفهمها وعنده آخر قابل لفهمها لعل هذا يفهم ما تقرر فإنه يشعر بأنه قصد تفهيم غيره وليس بأهل لما قصده وقيل جاء التعريض من جهة أن المحدث عنه كان متزكيًا من الآثام متعظًا وقيل ضمير لعله للكافر والترجي راجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إنك طمعت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وضعف بعدم تقدم ذكر الكافر وبإفراد الضمير والظاهر جمعه أي بناء على المشهور في أن من تشاغل عليه الصلاة والسلام به كان جمعًا وجاء في بعض الروايات أنه كان واحدًا وقرأ الأعرج وعاصم في رواية أو يذكر بسكون الذال وضم الكاف وقرأ الأكثر فتنفعه بالرفع عطفًا على يذكر وبالنصب قرأ عاصم في المشهور والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وهو عند البصريين بإضمار أن بعد الفاء وعند الكوفيين في جواب الترجي وهو كالتمني عندهم ينصب في جوابه وفي الكشف أن النصب يؤيد رجوع ضمير لعله على الكافر لإشمام الترجي ومعنى التمني لبعد المرجو من الحصول أي بالنطر إلى المجموع إذ قد حصل من الباس وعلى السابق وجهه ترشيح معنى الهضم فتذكر.